مشروع ميناء الفاو الكبير والقناة الجافة للنقل من جنوب العراق إلى شماله فهو سيشكل، في حال إتمامه، طريقاً للنقل يؤثر على قناة السويس المصرية وميناء جبل علي الإماراتي. هذا المشروع سيؤدي إلى تغيير كبير في الدور الجيوسياسي لبلاد الرافدين.
بحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD)، ” يعتبر النقل البحري العمود الفقري للتجارة الدولية والاقتصاد العالمي إذ يتم نقل أكثر من 80٪ من حجم التجارة الدولية عن طريق البحر”. لهذا تمتلك الدول المطلّة على البحار أهمية اقتصادية تتفاوت درجتها بحسب موقع كل دولة على الخريطة العالمية. وبالنظر إلى موقع دول غرب آسيا، بين الشرق والغرب، يمكن القول إن دول هذه المنطقة المطلّة على البحار تشكّل أهمية اقتصادية واستراتيجية كونها ممراً للعبور بين الاقتصاديات الآسيوية والأوروبية. هذه الأهمية شكّلت حافزاً لدول المنطقة للاستثمار في بنيتها التحتية بطريقة تخوّلها جذب الاقتصاديات الكبرى للاعتماد عليها في نقل البضائع بين الشرق والغرب. وهنا تأتي أهمية تسليط الضوء على مشروعين أساسيّين في العراق تطمح من خلالهما الحكومة العراقية إلى أن تصبح البلاد الممر الأساسي للعبور بين آسيا وأوروبا، وهو ما يرفع من أهمية العراق الجيوسياسية.

ميناء الفاو الكبير

في نيسان العام 2010 أعلنت الحكومة العراقية عن وضع حجر الأساس لبناء مشروع ميناء الفاو الكبير في سواحل مدينة الفاو التابعة لمحافظة البصرة (جنوبي العراق) المطلة على شمال الخليج الفارسي. هذا الإعلان جاء تعبيراً عن طموح العراق لأن يكون بديلاً فعّالاً عن مسارات عبور البضائع الأخرى بين آسيا وأوروبا، وهو ما دق جرس الإنذار في مختلف دول المنطقة مثل مصر التي تستفيد من عبور البضائع عبر قناة السويس، خاصة بعد أن بدأت الصحف العراقية بالترويج للميناء على أنه بديل عن قناة السويس.

إلا أن المشروع واجه العديد من الصعوبات التي حالت دون تقدّمه في الأعوام العشر الأولى، أهمّها صعوبات تتعلّق بتأمين التمويل اللازم لتنفيذه، قبل أن تتغيّر الأحوال في العام 2020 حيث وقّعَت الحكومة العراقية عقداً مع شركة دايو الكورية الجنوبية، بقيمة 2.62 مليار دولار، لإنجاز المرحلة الأولى من هذا المشروع في غضون 4 سنوات. منذ ذلك الوقت تعمل وزارة النقل العراقية بالتعاون مع القطاع الخاص، لتسريع إنجاز المشروع لما يشكّله من أهمية استراتيجية واقتصادية للعراق. وبحسب بيانات وزارة النقل العراقية من المتوقّع أن يبدأ تشغيل الميناء في عام 2024 ليكتمل البناء نهائياً في عام 2038.

وبحسب التصميم الافتراضي للمشروع، يتضمّن ميناء الفاو الكبير 50 رصيفاً (مرسى) لشحن وتفريغ الحاويات بطول 17 كم وبطاقة 25 مليون حاوية سنويّاً، و20 رصيفاً للحمولات غير المعبأة بحاويات بطول 5 كم وبطاقة 50 مليون طن سنويّاً، و20 رصيفاً للبضائع العامة بطول 5 كم، ورصيف لشحن وتفريغ السيارات بطاقة 400000 سيارة سنويّاً، و6 أرصفة لتصدير النفط بطاقة 230000 برميل يوميّاً مع خزانات لواردات المنتجات النفطية بسعة 300000 متر مكعب. بهذا سيكون هذا الميناء عند اكتماله أكبر ميناء في غرب آسيا متفوّقاً على ميناء جبل علي الإماراتي والذي يضم 67 رصيفاً لاستقبال الحاويات مقابل 99 رصيف سيضمّها ميناء الفاو الكبير.

كيف سيصل ميناء الفاو بأوروبا؟

بالإضافة إلى الميناء، يعمل العراق على مشروع القناة الجافة. والقناة الجافة هي مشروع يتضمّن سكك حديد وطرق برية سريعة وخطوط أنابيب نفط وغاز لربط ميناء الفاو الكبير بأوروبا إما عبر تركيا مباشرةً أو عبر سوريا. وبالتالي بعد الانتهاء من مشروع القناة الجافة سيصبح العراق جاهزاً لنقل كميّات ضخمة من البضائع بين آسيا وأوروبا. بهذا تتحوّل البلاد إلى محطة نقل كبرى بين الشرق والغرب.

في شهر كانون الأول الماضي عُقد المؤتمر الدولي الثاني لميناء الفاو الكبير 2022 تحت عنوان “تشغيل ميناء الفاو الكبير وإنشاء القناة الجافة رؤى مستقبلية وفرص استثمارية”. في المؤتمر أكّد مدير عام شركة الموانئ العراقية الدكتور فرحان الفرطوسي أن ميناء الفاو الكبير والقناة الجافة، طريق حرير العراق، يشكّلان أهم المشاريع الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة. وأضاف الفرطوسي أن هذين المشروعين سيغيّران خريطة الاقتصاد العالمي وليس العراقي أو الإقليمي فحسب. فالمشروعان، بحسب الفرطوسي، سيختزلان آلاف الأميال البحرية والبرية ونحو 20 إلى 25 يوماً تقطعها البواخر والسفن في المياه العربية والبحر الأحمر لعبور قناة السويس إلى أوروبا لتفريغ وشحن البضائع، فضلا عن نفقات تقدر بعشرات الملايين من الدولارات ستوفّرها الدول وشركات النقل البحري.

التعليقات معطلة.